عندما عاشت الفيلة في فلسطين.. اليكم هذه اللحظة التاريخية!
سوسنة، جميل ضبابات
كانت فلسطين موطنا مناسبا لحيوانات لا يصدق الكثيرون أنها وجدت في زمان ما على هذه الأرض…لكن مع ذلك يبقى الذي لا يمكن تصديقه حقيقة تاريخية وعلمية.
في فلسطين التاريخية يمكن ملاحظة الجدل داخل الأوراق والمنشورات العلمية حول إحصاء أنواع الحيوانات بشكل دقيق لكن التقديرات تشير الى نحو 51 ألف نوعا حيا (نباتات وحيوانات)، تشكل نحو 3% من التنوع البيولوجي العالمي.
يُقدرعدد الأنواع الحيوانية في الضفة الغربية وقطاع غزة بنحو 30904 نوعا، منها 30000 نوع من اللافقاريات، و373 نوعا من الطيور، و 297 نوعا من الأسماك، و 92 نوعا من الثدييات، و82 نوعا من الزواحف، و 5 أنواع من البرمائيات.
نظرة إلى الوراء تقريبا نحو قرن، تحديدا في 11 آب 1934 حسم تقرير علمي مسألة وجود صنف منقرض في قائمة الحيوانات التي عاشت فوق أرض فلسطين عبر التاريخ.
انه الفيل!.
في ذلك الوقت، ضج الوسط العلمي العالمي بالحديث عن اكتشاف أحفوري تاريخي لرفات فيل منقرض في فلسطين، بعد نشر تقرير علمي في مجلة “نيتشر”.
هذا التقرير العلمي القصير، أعدته العالمة البريطانية دوروثيا إم. إيه. بيت المتخصصة في علم الحفريات والجيولوجيا في المتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي في مجلة “نيتشر” (المجلد 134، صفحة 219).
في ذلك الوقت، كانت “نيتشر” التي تأسست في عام 1869 في لندن، المملكة المتحدة، على يد العالم نورمان لوكير هي المنصة المثالية لنشر مثل هذه الاكتشافات المهمة بسبب جمهورها العالمي المتخصص.
ينظر إلى مجلة “نيتشر” كواحدة من أعرق المجلات العلمية في العالم، وطالما كانت منصة رائدة لنشر الأبحاث العلمية عالية الجودة في مختلف التخصصات العلمية، بما في ذلك علم الأحياء، والفيزياء، والكيمياء، والجيولوجيا، وعلم الحفريات.
يعتبر هذا الاكتشاف الأول من نوعه في فلسطين (التي كانت تحت الانتداب البريطاني آنذاك)، ولم يتم العثور على رفات مشابهة سابقا في المنطقة أو في منطقة بلاد الشام بشكل عام.
ركز التقرير على وصف الرفات، وظروف الاكتشاف، وأهميته العلمية المحتملة في فهم التاريخ الجيولوجي والحيواني للشرق الأوسط.
يقول التقرير، أنه تم العثور على الرفات أثناء حفر بئر في حديقة خاصة في مدينة بيت لحم ، ولم يتم التعرف على قيمة هذه الرفات العلمية في البداية، مما أدى إلى تلف معظمها.
كانت دوروثيا بيت (1878-1951) عالمة حفريات بريطانية بدأت عملها في المتحف البريطاني في سن 19 عاما وسافرت بعد ذلك إلى مناطق نائية مثل قبرص وكريت وفلسطين لجمع عينات، واكتشفت أنواعا جديدة من الحيوانات المنقرضة.
لقد مهد اكتشاف بيت في 1934 كان بداية لسلسلة من الاكتشافات التي تساعد في رسم صورة عن الهجرة الحيوانية والبشرية في المنطقة.
تمكنت الباحثة الانجليزية، خلال إقامتها في القدس، من جمع بعض الشظايا الإضافية بالتعاون مع سلطات دائرة الآثار الفلسطينية التي كانت تديرها حكومة الانتداب البريطاني.
و الرفات تشمل جزءا من ناب طوله 8 سنتيمترات، بالإضافة إلى عظام وأسنان مكسورة بشدة.
وتم إرسال جميع العينات إلى المتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي في لندن للدراسة التفصيلية.
الرواسب التي وجدت فيها الرفات تعود إلى العصر الجليدي، وهو فترة جيولوجية تمتد من حوالي 2.58 مليون عام مضت إلى 11,700 عام مضت.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى الحاجة إلى معلومات إضافية لتحديد العمر الدقيق لهذه الطبقات.
هذا الاكتشاف يثير تساؤلات حول ارتباطه بحيوانات أخرى من “النوع الأفريقي” التي تم العثور عليها في كهوف فلسطينية، والتي تشمل أدوات حجرية وبقايا بشرية قديمة.
الفيل المكتشف هو من نوع منقرض، ولم يحدد التقرير الأصلي نوعه بدقة، لكنه يشير إلى أنه مشابه لأنواع الفيلة المنقرضة التي عاشت في العصور الجليدية.
دراسات لاحقة، مثل تلك المنشورة في مجلة Quaternary International في 2017، حددت الرفات كجزء من فيل مستقيم الناب أو مشابه، وهو نوع من الفيلة الأوروبية-آسيوية الكبيرة التي عاشت في أوروبا والشرق الأوسط خلال العصر الجليدي.
هذا النوع كان يتميز بأنياب مستقيمة طويلة، وجسم هائل يصل طوله إلى 4 أمتار، وكان يعيش في بيئات متنوعة تشمل الغابات والسهول.
في سياق الاكتشاف، يُعتبر هذا الفيل جزءا من الهجرة المبكرة للفيلة خارج أفريقيا، حيث تشير الأدلة إلى أن أسلاف الفيلة الحديثة انتشرت من أفريقيا إلى آسيا وأوروبا قبل ملايين السنين.
الرفات في بيت لحم قد تكون مرتبطة بتلك الهجرات، مما يساعد في فهم كيفية تكيف هذه الحيوانات مع التغيرات المناخية في الشرق الأوسط.
كانت هذه الدراسة مهمة لأنها تمثل أول دليل أحفوري على وجود فيلة منقرضة في فلسطين، مما يفتح الباب لفهم أفضل للحياة البرية في المنطقة خلال العصور الجليدية.
وساهم ذلك الاكتشاف في بناء قاعدة بيانات عن الحيوانات القديمة في الشرق الأوسط، وأثرت على دراسات لاحقة مثل تلك المتعلقة بكهوف فلسطين التي تحتوي على بقايا بشرية.
وقالد. نيل ف. آدامز أمين مجموعات الثدييات الأحفورية قسم الفقاريات وعلم الإنسان في علم الأحياء القديمة “لا توجد تحديثات كبيرة يمكن إضافتها إلى المعالجة التفصيلية جدا التي تلقتها بقايا الفيل من بيت لحم في المنشور الذي أعده رابينوفيتش وليستر في عام 2017”.
واضاف في مقابلة خاصة مع رئيس تحرير “سوسنة” يتضمن هذا المنشور وصفا تفصيليا جدا للعينات مع صور تشمل صورا فوتوغرافية وصور أشعة مقطعية بالأشعة السينية.”.
وقال” لا توجد تحديثات على السيناريوهات التصنيفية الخمسة التي تم مناقشتها نحو نهاية الورقة. لقد تحققت من ذلك مع البروفيسور أدريان ليستر، وهو يوافق على أنه لم يتم إجراء أي عمل إضافي من قبل أي باحثين لتقديم معلومات إضافية بشأن تصنيف العينات من بيت لحم”.
وبالنسبة لتاريخ الحفظ، قال ادامز “لدينا سجلات لأعمال حفظ حديثة نسبيًا في 2013-2014، عندما تم تثبيت واستقرار العديد من العينات في مركز الحفظ بالمتحف. في ذلك الوقت، تم تصنيع حوامل مخصصة لدعم العديد من عينات بيت لحم الأكبر حجمًا”.
وقال” تم مسح أسنان الفيل باستخدام ماسح مقطعي دقيق هنا في متحف التاريخ الطبيعي في لندن في مارس 2014 للدراسة التي أجراها رابينوفيتش وليستر”.
تم مسح فكين سفليين لفيل وناب باستخدام ماسح مقطعي بيطري في الكلية الملكية البيطرية في هيرتفوردشاير في يوليو 2014، أيضا للدراسة التي أجراها رابينوفيتش وليستر.
وقال ادامز” كما تم إنتاج نماذج ثلاثية الأبعاد للفكين السفليين والناب مؤخرًا من بيانات التصوير المقطعي في متحف فور ناتوركوندي في برلين، وقد قمت بتوفيرها على صفحتنا في موقع مورفوسورس، حيث نجعل مجموعات البيانات ثلاثية الأبعاد متاحة بشكل علني”.