دراسة: أسنان الديناصورات تكشف أسرار نظامها الغذائي المعقد

سوسنة
قدمت دراسة علمية حديثة أجريت على أسنان الديناصورات من محجر كارنيجي في يوتا في الولايات المتحدة رؤى قيمة مستمدة من عصر الجوراسي.
وأشارت الدراسة التي حصلت “سوسنة” على نسخة من نتائجها إلى أنه من خلال تحليل نظائر الكالسيوم، كشف عن الكيفية التي تقاسمت بها الديناصورات لموارد الغذائية بذكاء، مما سمح لها بالتعايش دون منافسة مدمرة.
الدراسة الحديثة أجرتها جامعة تكساس في أوستن كشفت عن تفاصيل مذهلة حول كيفية تعايش الديناصورات الضخمة في بيئة واحدة دون منافسة مدمرة.
من خلال تحليل نظائر الكالسيوم في أسنان الديناصورات المحفوظة منذ 150 مليون عام، أظهر الباحثون كيف قسمت هذه الكائنات الغذاء بذكاء، مما يوفر نظرة ثاقبة على النظم البيئية القديمة ويحمل إشارات لفهم التحديات البيئية الحالية.
وهذه النتائج توفر نموذجا لفهم كيفية الحفاظ على التوازن البيئي في النظم الحديثة المهددة، مثل غابات الأمازون أو السافانا الأفريقية، وتساعد في التنبؤ بتأثيرات تغير المناخ على سلاسل الغذاء والتنوع النباتي، مما يدعم جهود الحفاظ على البيئة اليوم.
الدراسة، التي نشرت” في يوليو 2025 ويمكن متابعتها على https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0031018225003888 تركز على محجر كارنيجي في محمية الديناصورات الوطنية في ولاية يوتا الأمريكية.
هذا الموقع، الذي يعود إلى عصر الجوراسي المتأخر (حوالي 150 مليون عام مضت)، يحتوي على ترسبات تشكيل موريسون، وهي طبقات جيولوجية غنية بالحفريات تشمل عظاما وأسنانا لعدة أنواع من الديناصورات.
و المحجر، الذي اكتشف في أوائل القرن العشرين، يُعتبر واحداً من أغنى المواقع الأحفورية في العالم، حيث يحتوي على بقايا أكثر من 400 ديناصور فردي، بما في ذلك أنواع عملاقة مثل الديبلودوكوس والكاماراسوروس.
وأجريت الدراسة في مختبرات جامعة تكساس في أوستن، تحديدا في كلية جاكسون للعلوم الجيولوجية، بالتعاون مع متحف تكساس للعلوم والتاريخ الطبيعي ومختبر النظائر الإشعاعية.
قاد الفريق ليام نوريس، خريج دكتوراه حديث، مع مشاركة البروفيسورة روان مارتيندال وآرون ساتكوسكي، بالإضافة إلى هنري فريك من كلية كولورادو.
وتم الحصول على العينات من محجر كارنيجي، حيث تم استخراج أسنان من 17 فرداً عبر خمسة أنواع: ثلاثة عاشبات أعشاب (الديبلودوكوس، الكاماراسوروس، الكامبتوسوروس) واثنان من المفترسات (الألوسوروس، والإوتريتاورانوسوكوس الشبيه بالتمساح).
خلال إجراء الدراسة اعتمد الباحثون على تقنية تحليل النظائر المستقرة للكالسيوم في الأسنان.
و الكالسيوم عنصر أساسي في الطعام، ويتم دمجه في الهيكل العظمي دون تغيير كبير، مما يجعله مؤشرا موثوقا للنظام الغذائي.
يفرق النظام الغذائي بين النظائر الثقيلة والخفيفة؛ فالنباتات الناعمة مثل الأوراق تحتوي على نسب أعلى من النظير الثقيل (⁴⁴Ca)، بينما الأجزاء الخشبية تحتوي على نسب أقل.
وقام الباحثون بحلق طبقة رقيقة من مينا الأسنان باستخدام أدوات دقيقة، ثم تحليلها في المختبر لقياس النسب الإيزوتوبية.
قورنت هذه البيانات مع عينات نباتات محفوظة من نفس العصر لتحديد المصادر الغذائية.
وأظهرت النتائج تقسيما دقيقا للنيتش البيئي، مما يفسر كيف تعايشت هذه الديناصورات الضخمة.
بالنسبة للعاشبات : الكامبتوسوروس، الذي يبلغ طوله حوالي 6 أمتار، كان يفضل الأجزاء الناعمة والمغذية مثل الأوراق والبراعم، مما يعكس قيم نظائر كالسيوم عالية.
أما الكاماراسوروس، العملاق الذي يصل وزنه إلى 20 طنا، فكان يتغذى على الأخشاب والأغصان الصلبة من الصنوبريات، مع قيم نظائر أقل. اما الديبلودوكوس، بعنقه الطويل الذي يتجاوز 6 أمتار، كان يتناول نظاما غذائيا مختلطاً يشمل السراخس، ذيول الخيل، والأجزاء الأكثر صلابة، مما يسمح له بالوصول إلى مستويات مختلفة دون الاعتماد فقط على الارتفاع.
وبالنسبة للمفترسات: الألوسوروس، الذي يُعتبر أكثر المفترسات شيوعا في تشكيل موريسون، كان مفترسا انتهازيا يأكل اللحم من العاشبات دون أكل العظام، مما يعكس قيم نظائر تشير إلى نظام غذائي يعتمد على اللحوم الطرية.
أما الإوتريتاورانوسوكوس، الشبيه بالتمساح الضخم، فيتغذى بشكل أساسي على الأسماك، مع بعض التداخل في المصادر الغذائية، مما يقلل من المنافسة مع الألوسوروس.
هذه النتائج تتحدى الافتراضات السابقة التي كانت تركز على ارتفاع التغذية كعامل وحيد.
بدلا من ذلك، أظهرت الدراسة أن أنواع النباتات المأكولة هي العامل الأكثر أهمية في تحديد النظائر الكالسيومية.
كما أكدت أن الديناصورات لم تكن تستطيع المضغ، بل تبتلع الطعام كاملا إلى “القانصة” ، مشابهة للدجاج، مما يعني أن نظامها الهضمي كان يعتمد على حجارة لسحق الطعام.
وتوفر هذه الاكتشافات نموذجاً لفهم كيفية الحفاظ على التوازن البيئي في النظم البيئية الحديثة، مثل غابات الأمازون أو السافانا الأفريقية، حيث تتعايش الحيوانات الكبيرة من خلال تخصصات غذائية.
و يمكن أن تساعد هذه الرؤى في نمذجة كيفية تأثير التغيرات المناخية على الغطاء النباتي، مما يؤثر بدوره على سلاسل الغذاء.
على سبيل المثال، دراسات مشابهة على نظائر الكالسيوم في الحيوانات الحديثة، مثل الزواحف والثدييات، أظهرت كيف يمكن استخدام هذه التقنية لإعادة بناء سلاسل الغذاء في البيئات المهددة.
في سياق التغير المناخي، يمكن أن تساعد في التنبؤ بكيفية تأثير الجفاف أو الاحترار على التنوع النباتي، كما حدث في عصر الجوراسي حيث تشكل المحجر خلال فترة جفاف شديدة.
كما أنها تفتح الباب لتطبيقات في علم الآثار، مثل دراسة تغذية الإنسان القديم أو الثدييات المنقرضة.