حكاية شبان فلسطينيين أعادوا تشكيل واقع البلاستيك في مدينتهم

سوسنة، اسراء صبح
لا تبدأ القصص الناجحة دائمًا بانتصار.. أحيانًا تبدأ بجمع عبوات بلاستيكية فارغة ملقاة على جانب الطريق.
في مدينة تواجه تحديات بيئية مختلفة مثل كثير من المدن الفلسطينية، اجتمع عدد من طلاب المدارس في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية يحملون وعيًا و فضولاً تجاه ما يمكن أن تصنعه اليد إذا استعدت للتغيير.
من هذا الإيمان البسيط وُلدت “عالم أخضر”، وهي مبادرة شبابية انطلقت من فكرة صغيرة، وهي تحويل النفايات البلاستيكية إلى مشروع مفيد.
ومن بين هؤلاء الشباب، كان لمحمد المحتسب دورًا بارزًا في قيادة هذه المبادرة وتحويل الفكرة إلى واقع ملموس.
يقول محمد لـسوسنة “بدأنا كفرقة شبابية، نجمع البلاستيك ونحوله إلى أدوات زينة، لكننا أردنا أثرًا أكبر، فقررنا أن نُحوّل ما نفعله إلى مشروع حقيقي طويل الأمد، يخدم البيئة والمجتمع معًا”.
ويضيف “استعنا بمواد تعليمية في شبكة الإنترنت لمعرفة كيفية قطع البلاستيك، وصنعنا ماكينة بسيطة لتقطيع وفصل البلاستيك، وخلال هذه الفترة بدأ المجتمع المحلي يتفاعل معنا و يشجعنا، بعد ذلك، حصلنا على ماكينة طحن متطورة بدعم من مؤسسة(آكشن ايد)، والتي ساعدتنا على بدء الإنتاج الفعلي”.
هذا التحوّل لم يكن فقط في الأدوات، بل في الأثر أيضًا.
الفريق بدأ بجمع العبوات من البيوت، والمحميات، والمصانع، ثم قام بفرزها وإعادة تدويرها بطرق إبداعية. “صنعنا ميداليات، ومقاعد عامة، و أنتجنا بلاستيك مطحون نبيعه كمادة خام للمصانع”، يقول محمد.
ولأنهم لا يرون في البلاستيك مجرد نفايات، بل فرصة، قام الفريق بتجربة استخراج “البيو ديزل” من النفايات البلاستيكية، تجربة صغيرة، لكن تحمل بداخلها تصورًا كبيرًا لمستقبل الطاقة والنفايات في فلسطين.
مبادرة “عالم أخضر” لم تكن مشروعًا تقنيا فحسب، بل مشروعًا مجتمعيا وثقافيًا، وواحدة من أصعب التحديات التي واجهها الفريق، كما يقول محمد، كانت تغيير ثقافة المجتمع تجاه إعادة تدوير النفايات.
ويضيف، “في البداية، الناس لم تكن ترى أن للنفايات قيمة، لكن شيئًا فشيئًا، بدأ المجتمع يدعمنا ويؤمن بما نفعل”.
هذا الإيمان المجتمعي انعكس في أشكال دعم متنوعة، من مؤسسات تبنّت الفكرة، إلى بلدية الخليل التي منحتهم مساحة أكبر للعمل، وخط كهرباء خاص لتشغيل الماكينات.
واستطاع الفريق تجنيد دعمًا ماليًا من مسابقات شبابية مختلفة ساعدتهم على تطوير أدواتهم وتنفيذ خططهم.
المشروع اليوم يجمع حوالي طن من النفايات البلاستيكية شهريًا، لكنه لا يكتفي بهذا الرقم.
“طموحنا أكبر من طن، لأن مشكلة النفايات في الخليل وحدها تمثل أزمة حقيقية”، يقول محمد.
ويكشف أن ثلث نفايات الخليل -البالغة 450 طنًا يوميًا- هي نفايات بلاستيكية.
هذا ما يجعل المشروع ليس فقط حلاً بيئيًا، بل مساهمة فعلية في تخفيف تكاليف جمع النفايات والتخلص منها على البلديات، وتقليل أضرار النفايات على الصحة العامة والبيئة.
ووفقًا لبيان صدر عن سلطة جودة البيئة والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بتاريخ 4 حزيران الحالي، بلغ عدد المنشآت العاملة في صناعة المنتجات البلاستيكية في الضفة الغربية 193 منشأة يعمل فيها 2,770 عاملًا في القطاع الخاص والقطاع الأهلي، فيما بلغت إجمالي القيمة المضافة لهذا القطاع حوالي 84 مليون دولار أمريكي في عام 2023.
كما أشار البيان إلى أن قيمة الواردات الفلسطينية من البلاستيك ومصنوعاته بلغت 291 مليون دولار أمريكي خلال عام 2023، مقارنة بـ324 مليون دولار عام 2022.
قال المحتسب “عالم أخضر لا يقف عند حدود مدينة الخليل”.
“الفريق يعمل اليوم على توسيع نطاق عمله إلى القرى والمدن المجاورة، كما سعى إلى توفير فرص تطوع لطلبة الجامعات، واستثمار ساعات خدمتهم المجتمعية في عمل حقيقي وفعّال، ينمّي مهاراتهم، ويغرس فيهم روح المسؤولية البيئية”.
في عالم يتسارع نحو الاستهلاك ويغرق في نفاياته، كان لا بد من أن يخرج صوت ويقول إن بقايا اليوم يمكن أن تصبح مادة بناء للغد.
“عالم أخضر” لم يكن فقط اسمًا لمبادرة، بل أصبح نموذجًا لإرادة لا تُمحى، بل تُعاد تشكيلها من جديد، تمامًا مثل البلاستيك الذي أنقذوه من الحرق، وحوّلوه إلى أمل.