بين الحبال والجبال: مغامرة في بتير

سوسنة
خالد ابو علي
في صباح الجمعة، الثامن عشر من تموز 2025، انطلق فريق “امشِ وتعرّف على بلدك” من دوّار المنارة في رام الله عند الساعة الخامسة والنصف، محمّل بروح المغامرة والانتماء، وقلوب متشوّقة للعناق مع أرض ما زالت تنبض بالحياة والماء والحكايات.
وجهتنا الأولى كانت بلدة بتير، جوهرة بيئية تقع غرب بيت لحم، والمصنفة على قائمة التراث العالمي نظرا لما تحتويه من مدرجات زراعية صخرية مذهلة ونظام ريّ تراثي فريد ما زال يعمل بعيون الماء الطبيعية منذ مئات السنين، كما لو أن الزمن توقف ليحفظ هذا الجمال.
من متحف بتير البيئي بدأنا مغامرتنا، حيث انطلق 58 مشّاءً نحو تجربة إنزال جبلي بالحبال في قلب وادي المخرور الساحر، وذلك بالتعاون مع فريق “إلى القمر” بقيادة الكابتن بلال حمامرة.
حلقنا بين الجبال، ملامسين الصخر والتراب، نتنفس هواء البلاد النقي، ونشعر أن الطبيعة تشاركنا فرحتنا.
ولضمان تجربة آمنة ومثالية، عمل فريق “إلى القمر” بمساندة مجموعة من المتطوعين على تهيئة موقع الإنزال والتسلق، حيث تم تنظيف المسار الجبلي بعناية وتركيب النقاط الثابتة وتثبيت الحبال، مع فحص شامل لمعدات السلامة.
لم تكن مغامرة بتير وليدة اللحظة، بل كانت ثمرة إعداد دقيق واهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق الكبير.
فقد سبق تنفيذ الفعالية قيام الكابتن بلال حمامرة، وفريق “إلى القمر”، بمعاينة ميدانية للجرف الجبلي في قلب وادي المخرور، حيث تم اختيار نقطة إنزال طبيعية يبلغ ارتفاعها قرابة 20 مترًا، تُعرف باستقرارها الجيولوجي وخلوّها من الانهيارات، وقد تم استخدامها سابقًا في فعاليات مماثلة دون التأثير على سلامة الطبيعة أو المشاركين.
في تلك المعاينة، أُجري تقييم علمي لطبيعة الصخور، نقاط التثبيت، وسهولة الدخول والخروج، مع الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على توازن النظام البيئي في المنطقة. فبأيدٍ خبيرة وقلوبٍ تحترم الأرض، عمل الفريق على تنظيف المسار من الأعشاب الجافة والنفايات دون الإضرار بالنباتات الأصلية، حفاظًا على المشهد الطبيعي وسلامة الجميع.
تحت إشراف مباشر من الكابتن حمامرة، وبدعم من الفريق اللوجستي المكوّن من محمد أبو نوح، عامر القواسمي، بيبو الحافظ، شهد بنات، علي القواسمي، وفراس خوري، تم تثبيت الحبال المزدوجة على نقاط ارتكاز طبيعية مدعّمة ببراغي أمان خاصة، مع توزيع الخوذات، أحزمة الأمان (الهارنس)، القفازات، وأجهزة النزول العمودي مثل الـ8 وATC، بعد فحص دقيق وتعديل فردي لكل قطعة وفقًا لوزن وخبرة كل مشارك لضمان أقصى درجات الأمان والراحة، في تجربة فردية ساحرة لكل مشارك.
وقبل بدء الإنزال، اجتمع الجميع في حلقة قصيرة ولكن حاسمة، قادها الكابتن بلال، تضمنت شرح خطوات النزول العمودي، آليات التحكم في الحبل، إشارات التواصل الصوتي، وتعليمات الطوارئ، مما بعث في القلوب طمأنينة وثقة بأن كل خطوة محسوبة، وكل روح محمية.
ثم بدأت اللحظة المنتظرة: نزول فردي من الجرف، واحدًا تلو الآخر، تحت مراقبة دقيقة من الفريق المنتشر بين الأعلى والأسفل، يرافق كل مشارك بنظرة عين وكلمة طمأنينة، في مشهدٍ يُجسّد روح التعاون والانضباط والأمان.
ولأن اللحظات الجميلة لا تُكتمل إلا بالذكرى، جرى توثيق المغامرة بكاميرات الفيديو والصور، لتبقى هذه التجربة محفورة في الذاكرة والوجدان
ما إن انتهت المغامرة الهوائية، حتى واصل الفريق رحلته الأرضية باتجاه بلدة حوسان، حيث اختُتمت هناك بكلمات شكر عميقة لكل من ساهم في إنجاح هذا الحدث الوطني البيئي، قبل أن يلتقي الفريقين مجددًا فريق ” امشِ وتعرّف على بلدك” بقيادة الكباتن عبد الفتاح حجه و” فريق الى القمر ” بقيادة الكابتن بلال حمامره في بلدة حوسان.
هكذا كانت الرحلة ، ليست مجرد إنزال بالحبال أو مسار بيئي، بل لقاء عميق مع الجغرافيا الفلسطينية، مع روح المكان وسرّ استمراره.
كانت المغامرة تذكيرًا بأن هذه الأرض لا تُكتشف فقط بالعين، بل بالقلب أيضًا… حين تمشيها، تحبها أكثر، وتفهم لماذا علينا أن نتمسّك بها بكل حبلٍ وبكل قطرة ماء.