سوسنة، اسراء صبح
في عام 2023، تجاوز العالم عتبة 1.5 درجة مئوية، راسمًا لمحة مرعبة عن مستقبل يزداد سخونة.
وهذا الرقم الذي لا يكاد يخلو من ذكره مؤتمر علمي متخصص في التغير المناخي ليس مجرد إحصائية علمية، بل هو إنذار عالمي يهدد كل من على هذه الأرض.
يشير العلماء إلى أن تجاوز درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية يعد بمثابة نقطة تحول في المناخ العالمي.
إن الهدف الذي تم تحديده في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 يُعتبر “الحد الآمن” الذي يحمي كوكب الأرض من أسوأ آثار تغير المناخ.
ولكن اليوم، بات الوصول إلى هذا الهدف المنشود في خطر شديد، في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة.
تشير التقارير الأخيرة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن هناك احتمالًا بنسبة 80% أن يتجاوز متوسط درجات الحرارة السنوي 1.5 درجة مئوية في السنوات الخمس المقبلة.
قال كارلو بونتمبو، مدير خدمة “كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الاوربي “إننا نعيش في أوقات غير مسبوقة، ولكننا نمتلك في الوقت نفسه مهارات غير مسبوقة في مراقبة المناخ قد تساعد على توجيه الإجراءات التي نتخذها”.
وأضاف “سوف نتذكر هذه السلسلة من الأشهر الأكثر سخونة على أنها باردة نسبيا، ولكن إذا تمكنّا من تثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي في المستقبل القريب جدًا، فقد نتمكن من العودة إلى درجات الحرارة ‘الباردة’ هذه بحلول نهاية القرن”.
تشير الأرقام إلى أن عام 2023 كان الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث سجلت درجات الحرارة العالمية زيادة بمقدار 1.63 درجة مئوية فوق متوسط درجات الحرارة في الفترة 1850-1900، وهو أعلى من أي فترة سابقة، وفقًا لمجموعة بيانات النسخة الخامسة من إعادة تحليل المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية المتوسطة المدى لخدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ.
إن أحد أبرز التأثيرات التي تزداد وضوحا نتيجة الاحتباس الحراري، هو ذوبان الجليد في القطبين.
ففي عام 2023، سجلت منطقة القطب الشمالي أقل مستوى لها في الجليد البحري، حيث تراجعت إلى 16.96 مليون كيلومتر مربع، مما يمثل انخفاضًا ملحوظًا عن الحد الأدنى القياسي المسجل في عام 1986.
وقد أشار تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن ذوبان الجليد يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل متسارع، مما يهدد المناطق الساحلية حول العالم.
هذه الظواهر المناخية المتطرفة لها تبعات كبيرة على المجتمعات والأنظمة البيئية.
في إفريقيا، على سبيل المثال، يعاني ملايين الأشخاص من آثار الجفاف الشديد الذي يؤثر على الزراعة والمياه.
ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن تغير المناخ قد أسهم في زيادة الجفاف والأعاصير، مما يزيد من معاناة السكان في مناطق مثل إثيوبيا ونيجيريا.
تقول كو باريت، نائبة الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية “إن عدم اتخاذ إجراءات عاجلة سيكلف الاقتصاد العالمي تريليونات الدولارات، وسيؤدي إلى تشريد ملايين الأشخاص بسبب الكوارث المناخية المتكررة”.
وأضافت “إذا لم نخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بسرعة، سنستمر في دفع ثمن باهظ يومًا بعد يوم، سواء في الأرواح أو في التكاليف الاقتصادية”.
ومع تزايد هذه التحديات، تظل الحلول ممكنة، ولكنها تتطلب إجراءات منسقة على مستوى العالم.
يشدد العلماء على ضرورة تحول سريع نحو الطاقة المتجددة، وتطبيق تقنيات سحب الكربون من الغلاف الجوي، واستخدام ممارسات زراعية مستدامة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
إذا لم تتمكن الدول من التوافق على اتخاذ إجراءات فورية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، فإن العالم قد يواجه آثارًا مناخية كارثية، ستكون التكلفة البشرية والاقتصادية لها باهظة للغاية.