سوسنة، اسراء صبح
في أواخر التسعينات من القرن الماضي اعتمدت فلسطين رسميا منطقة وادي غزة كمحمية طبيعية، كواحدة من أهم المناطق الرطبة التي تقع شرق البحر المتوسط، لكن الحرب الحالية في قطاع غزة حولتها الى مقبرة جماعية لكل أشكال الحياة.
حسب تقرير تقييم الأضرار المؤقتة الصادر في آذار/مارس الماضي عن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة دمرت الحرب أكثر من 25% من الوادي.
ووادي غزة يقع وسط قطاع غزة جنوب فلسطين، ويمتد من جبال الخليل حتى المصب في البحر المتوسط بطول حوالي 90 كم.
والجزء الموجود في قطاع غزة يمثل المصب، وهو يمتد من خط الهدنة شرقا حتى البحر المتوسط غربا بطول حوالي 9 كم.
يغلب على هندسة الوادي التعرجات، حيث يتخذ ثمانية انحناءات عندما يعبر قطاع غزة، ويختلف عرضه من مكان إلى آخر، ويتسع عند مصبه ليصل إلى حوالي 100 متر.
تُعد البيئة الطبيعية في قطاع غزة من أكثر النظم البيئية الغنية بالتنوع الحيوي في فلسطين، حيث يحتوي القطاع على ما يتراوح بين 150 و200 نوع من الطيور، إضافة إلى 20 نوعا من الثدييات و 25 نوعا من الزواحف.
كما أنه يضم حوالي 200 نوع من الأسماك المتوطنة والغازية، حسب مركز الإحصاء الفلسطيني.
بالنسبة للمدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية الفلسطينية التي مقرها بيت ساحور في الضفة الغربية عماد الاطرش فان “كارثة بيئية حلت في قطاع غزة بسبب الحرب”.
قال الاطرش في مقابلة مع “سوسنة”، أن عناصر التربة والمياه تلوثت بشكل كبير وهذا ما دفع الكثير من الطيور المهاجرة الى الابتعاد عن المنطقة باتجاه الجنوب نحو البحيرات في منطقة العريش المصرية خاصة بحيرة البردويل.
وتشير بيانات جمعتها المنظمات البيئية الفلسطينية وباحثون دوليون، إلى أن من بين الحيوانات المهددة بالانقراض في غزة، تم تسجيل انخفاض حاد في أعداد الثعالب والقنافذ، بالإضافة إلى طائر الشمس الفلسطيني الذي يعتبر من الأنواع النادرة في القطاع.
كما اختفت العديد من الطيور المهاجرة مثل اللقالق والبلشون نتيجة لتدمير الموائل الطبيعية.
وقال الأطرش “إن النتيجة الحتمية لهذه الحرب كانت دمارا أيضا حل على التنوع الحيوي، خاصة الطيور البحرية والمائية التي كانت تمر من المنطقة(..) في الماضي سجلنا نحو 12 نوعًا من الطيور المهددة عالميًا بالانقراض في وادي غزة والآن لا نعرف مصيرها”.
وفيما يتعلق بالزواحف، فإن العديد من الأفاعي والسحالي تعرضت للموت بسبب القصف أو التلوث الناتج عن الأسلحة المستخدمة.
وتطرق بيان لسلطة جودة البيئة مطلع السنة الماضية، إلى أن إنشاء الاحتلال لمنطقة عازلة على طول حدود غزة أدى إلى عزل الحيوانات البرية ومنعها من التحرك بحرية، مما تسبب في تزاوج داخلي بين الأنواع المعزولة، وهو ما يهدد بانقراضها نتيجة تدهور الصفات الوراثية.
وفيما يتعلق بتغيرات سلوك الحيوانات البرية، أشارت سلطة جودة البيئة إلى أنها سجلت حالات مهاجمة الحيوانات لجثث الشهداء نتيجة الجوع والعطش، ما يمثل تحولا خطيرا في السلوك الطبيعي للحيوانات.
وذكرت سلطة جودة البيئة أن هذه الآثار قد تؤدي مستقبلاً إلى عرقلة قدرة الكائنات الحية على التكاثر أو تعرضها لطفرات وتشوهات.
كما تضم البيئة الطبيعية في غزة حوالي 155 نوعًا من النباتات النادرة، منها 22 نوعًا نادرًا جدًا تشكل 1.8% من إجمالي الأنواع النباتية، والأشجار المثمرة، مثل الزيتون الذي يشكل حوالي 68% من إجمالي المساحات المزروعة بالبستنة في بعض مناطق القطاع، وفق الإحصاء الفلسطيني.
ولكن مع استمرار الحرب الاسرائيلية على غزة، أصبح هذا التنوع الحيوي مهددًا بالزوال بسبب التدمير الممنهج للموائل الطبيعية واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا.
ووصف الاطرش ما يجري على صعيد الأضرار التي اصابت البيئة في غزة “هذه مأساة. حتى طيور الفر التي كانت تصل الى المنطقة بعشرات الآلاف ابتعدت عن سواحل غزة”.
وقالت سلطة جودة البيئة في بيان لها صدر بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب الاخيرة، إن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة لا يشكل كارثة إنسانية فقط، بل إنه دمر بشكل واسع التنوع البيولوجي في القطاع، بما في ذلك النباتات والكائنات الدقيقة.
وأدى استخدام المتفجرات والأسلحة المحرمة دوليًا إلى خسارة لا تعوض في البيئة الطبيعية.
فقد تسبب القصف أيضًا بتدمير الموائل الطبيعية للحيوانات، بما في ذلك الأشجار والغابات وأماكن تكاثر الطيور المهاجرة، حيث كانت غزة نقطة توقف رئيسية لمسار هجرة ملايين الطيور. وفق السلطة.
وتوضح السلطة أن الاحتلال استخدم قنابل الفوسفور الأبيض المحرمة دوليًا، مما تسبب في أضرار جسيمة للتربة والمياه والهواء.
أما بالنسبة لانهيار أنظمة المياه والصرف الصحي في القطاع، فقد تسبب في تلويث الشواطئ والمياه الساحلية بمخلفات الصرف الصحي والمواد الكيميائية، مما يشكل تهديدات طويلة الأمد لصحة الإنسان والحياة البحرية، وفق الأمم المتحدة للبيئة.
وفي السياق ذاته، أوردت سلطة جودة البيئة أن الاحتلال الإسرائيلي يضخ سنويًا حوالي 40 مليون متر مكعب من المياه العادمة غير المعالجة في الأراضي الفلسطينية، ما يزيد من تفاقم الأوضاع البيئية.
ولفتت إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لمصادر المياه أدت إلى تسرب المياه الملوثة إلى الأحواض الجوفية، ما يهدد بتدمير موارد المياه العذبة، وفرض أعباء صحية كارثية على الأجيال القادمة.
كما أشارت بيانات للأمم المتحدة للبيئة في يونيو/حزيران 2024، إلى أن حوالي 75% من الأراضي الزراعية في شمال غزة قد دمرت بالكامل.
إنغر أندرسن المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة قالت في تقييم أولي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنشور في يونيو/حزيران 2024، “إن حماية البيئة ليس خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة أساسية للحفاظ على الحياة”.
وأضافت أن الدمار البيئي الذي تشهده غزة اليوم يشكل تهديدًا لا يمكن تجاهله، ليس فقط لسكانها، بل للبشرية جمعاء!
خلفت هذه الحرب -ومازالت- دمارًا بيئيًا غير مسبوق ألقى بظلاله على كافة مظاهر الحياة الطبيعية، مهددًا بتدمير شامل للتنوع الحيوي في غزة، مما يضع مستقبل البيئة والحياة البرية في خطر كبير، يستلزم تحركًا عالميًا سريعًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.