سوسنة، عبد الرحمن قاسم
هي ليست من الاشجار الاكثر شيوعا في أريحا، ولا الاكثر ضخامة او طولا و اخضرارا، لكنها الاكثر شهرة، وقد تكون الأكثر قدما في هذه المدينة التي تقع قرب الحدود الشرقية لفلسطين.
إذا زرت أريحا وكنت فضوليا، فانك ستواجه مثل الكثيرين، إشارات سياحية تدلك على تلك الشجرة التي تسمى جميزة أريحا.
كانت هذه الشجرة على مدار السنين الماضية حديث وسائل الاعلام، بعد ان توارت لقرون عديدة عن واجهة الحديث المتخصص. وفي التاريخ المكتوب كانت جزء من أكثر الأشجار قداسة للمؤمنين المسيحيين الذين قدموا الى فلسطين لتتبع خطى السيد المسيح.
وإذا كنت فضوليا أكثر، وتحب قصص التاريخ القديمة، المرتبطة بالعناصر الخضراء والماء، ستسمع هذه القصة القديمة الدينية المروية في الكتب المقدسة من الأشخاص الذين تسألهم عن شجرة الجميزة التي تقع تحت وصاية دولة روسيا.
إن الحديث المتزايد خلال العقود الماضية عن هذا الصنف من الأشجار، أكثر من غيرها من مكونات الغطاء النباتي في أريحا، ليس تقليلا من شأن التنوع فيها إنما للاهمية الدينية والتاريخية لشجرة الجميز التي اصبحت رمزا سياحيا، فالمنطقة عرفت خلال قرون بعيدة بزراعة النخيل، وفي عصور متأخرة زرعت بالحمضيات، وأصناف مختلفة من الخضروات.
كانت شجرة الجميز الشهيرة هذه سببا في رسوخ قصة رجل عاش في زمن المسيح اسمه زكا العشار وهو جامع ضرائب عاش في أريحا في ذلك الزمن، ونظرا الى قصر قامته صعد الى هذه الشجرة لرؤية المسيح أثناء مروره بالمدينة.
يلتقي اليوم تحت ظلالها حجيج من مختلف الكنائس المسيحية في طريقهم الى رحلة الحج وهم يسيرون على خطى السيد المسيح.
وتعرف بشجرة الجميزة وهي نوع من الشجر من الفصيلة التوتية تطرح ثمارا تشبه ثمار التين ولكنه أصغر حجما. وتشير المصادر المختصة أن الموطن الأصلي لهذه الشجرة هو بلاد النوبة ونقلت الى فلسطين وبلاد الشام وقطاع غزة منذ زمن الملكة هيلانة، الا ان افكارا اخرى تشير الى قصص متعددة لكيفية وصول هذا النوع من الأشجار إلى فلسطين.
عندما تطورت أريحا في العقود الماضية، لم تعد الكثير من الأشجار تتصدر المشهد أمام التوسع العمراني والزحف الخرساني، فتوارت الجميزة بين الأبنية خلف اشجار اخرى.
تعد أريحا موطنا للكثير من أصناف النباتات، وهي ايضا موئلا للعديد من الأزهار والأشجار الصحراوية التي تنمو هناك مستفيدة من الحرارة المرتفعة صيفا والمعتدلة شتاء، لكن هذه الشجرة التي حازت على اهتمام متنامي خلال السنوات الماضية وعلقت بين صفحات الكتب تبقى واحدة من أكثرها شهرة.
دون أي دليل علمي واضح، يقدر عمر هذه الشجرة بألفي سنة أي من عمر السيد المسيح، لكن تقديرات اخرى تشير الى ان عمرها اقل من ذلك بكثير.
تقع الشجرة اليوم ضمن أراضٍ تعود ملكيتها لكنيسة الروم الأرثوذكسية، التي تأسست عام 1884 في أريحا، ما أدى إلى تقديس مكانتها للمسحيين والسياح، من مختلف بقاع الأرض، وفي عام 2011 أصدر رئيس روسيا الاتحادية ديمتري ميدفيدف أمرا ببناء المتحف الروسي وزراعة الأرض بالنباتات الفريدة وبدء العمل بالحفريات.
يقول المهندس المختص بسام دويكات والمشرف على الحديقة والعناية بشجرة الجميزة ان الموقع ملك لروسيا منذ أواخر الفترة العثمانية.
بعد “اتفاقيات أوسلو “وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية بدأت عملية التنقيب عن الآثار وأعلن الموقع اثري عام وكشفت التنقيبات عن مستويات مختلفة من الآثار ضمنها لوحات فسيفساء وحفاظا على الآثار وعدم انتقالها خارج فلسطين تم التوافق الروسي الفلسطيني على إنشاء المتحف الروسي والذي افتتحه الرئيسان الروسي مدفيديف والفلسطيني محمود عباس.
يوضح دويكات، أن الشجرة تحتاج اليوم إلى رعاية خاصة لقدم سنها من حيث الادوية والسماد والعناية بالفروع الجديدة، مشيرا الى أن مختص وعالم نباتات من روسي تابع حالة الشجرة بشكل دوري حيث تم استحداث 7 حفر حول الشجرة لايصال المياه الى جذورها العميقة وتحديد كميات المياه اللازمة وأنواع السماد الضرورية لابقاء الشجرة على قيد الحياة.
مثلها مثل الكثير من الرموز السياحية في أريحا، تحول محيط الشجرة إلى ساحة لتجمع اصحاب المهن السياحية مثل الباعة.
ويشير خليل هاشم قريشي مالك كشك سياحي قرب الشجرة، إلى أن الشجرة كانت دوما محجا للعديد من السياح والحجاج ومصدرا لرزق عدد من الباعة والادلاء السياحيين حتى قبل إنشاء المتحف الروسي منوها الى تراجع السياحة وقلة عدد السياح جراء الأوضاع الحالية.
عند طرح المزيد من الأسئلة حول تاريخ الشجرة، لا أحد يمكنه أن يجزم بأنها الشجرة بعينها التي يعتقد حسب الروايات القديمة انها ذاتها التي استظل بها السيد المسيح وصعد اليها جامع الضرائب زكا العشار.
يرجح الاب برثينيوس رئيس دير النبي اليشع للروم الاورثوذوكس في اريحا وجود الشجرة في باحة الدير والذي يبعد مئات الأمتار عن الشجرة القريبة من المتحف وسبب هذا الاعتقاد هو وجود دير النبي اليشع الملاصق لها.
وقال” أن آلاف الحجاج من مختلف الطوائف المسيحية خلال رحلة الحج المقدس إلى نهر الأردن والأعياد المسيحية يأتون لزيارة الشجرة.”
خلال العقدين الماضيين، كان يمكن مشاهدة العديد من الحافلات التي تقل السياح تتوقف في الشارع الرئيس القريب من موقع الشجرة، وكان هؤلاء يأتون ضمن رحل دينية الى نهر الاردن او الأماكن المسيحية المقدسة في القدس وبيت لحم يختمونها بزيارة اريحا.
يقول إياد حمدان مدير عام السياحة في محافظة أريحا” إذا اختلفت الآراء الدينية والتاريخية حول المكان الحقيقي للشجرة المقصودة وهي بالتأكيد في أريحا إلا أنهم يجمعون على رمزيتها”.
وإن كانت شجرة الجميزة اكتسبت رمزية دينية خاصة أريحا، فإنها تتواجد بقطاع غزة بكثافة أكبر حيث تعمر لسنوات طويلة وتوفر ظلا للجالسين تحتها وتطرح ثمرا حلو المذاق يشكل عدة مواسم في السنة.