بنك البذور الفلسطينية الاصيلة في مرمى النيران

سوسنة، الحارث يوسف
في عام 2010 تأسس بنك البذور البلدية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، في مبادرة أطلقها اتحاد لجان العمل الزراعي بالشراكة مع مؤسسات محلية ودولية، بهدف حماية التراث الزراعي الفلسطيني، وضمان استدامة الأمن الغذائي للأجيال القادمة، وتعزيز السيادة الغذائية.
بنك البذور هو مركز لحفظ وإكثار وتوزيع البذور البلدية، لحمايتها من العوامل الطبيعية والبشرية، ليكون ملاذا آمنا يضمن وفرتها واستدامتها في فلسطين.
لكن في الحادي والثلاثين من تموز الماضي، تعرضت وحدة إكثار البذور البلدية التابعة للبنك، والتي تبلغ مساحتها عشرة آلاف متر مربع، منها أربعة آلاف متر مربع مزروعة بالخضروات الصيفية، لعملية هدم نفذتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي دون إخطار مسبق.
ووفقا لمنسقة البنك المهندسة جنات حميدات، فإن هذه الوحدة تلعب دورا حيويا إلى جانب إنتاج البذور المحلية لتجديد المخزون، في الحفاظ على التنوع البيولوجي للأصناف المهددة بالانقراض، وتحسين جودة البذور، وتدريب المزارعين على أساليب الإكثار والزراعة المستدامة، وضمان مراقبة الجودة قبل التوزيع.
و تعمل الوحدة على إجراء تجارب ميدانية، ودعم البحث الزراعي، والتعاون مع شركاء محليين ودوليين لضمان حفظ نسخ احتياطية للأصناف.
وقد أدى هدم هذه الوحدة إلى تأثير سلبي على عملية الإكثار الميداني لهذا الموسم، حيث خسر البنك 15 صنفا من المحاصيل المزروعة في الحقول، مما يعني خسارة موسم إنتاج كامل، وفقا لحميدات. ومع ذلك، أكدت أن “المخزون المحفوظ داخل البنك لم يتلف، ولم نفقد أي أصناف”.
وفي معرض الإجابة عن كيفية التغلب على هذه المشكلة، أوضحت حميدات أن البنك يعمل على تنفيذ خطة طوارئ لإكثار البذور بالتعاون مع مزارعين وشركاء في مناطق أخرى، من خلال جمع البذور وحفظها مؤقتا، إلى جانب إعادة تأهيل الوحدة لاستئناف العمل بطاقة أعلى لتعويض النقص في المواسم القادمة.
يعمل البنك بشكل مستقل بدعم من الاتحاد وشبكة واسعة من المؤسسات المحلية والدولية، تحت مظلة وزارة الزراعة الفلسطينية، ضمن استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على التنوع الحيوي الزراعي، وإكثار البذور التراثية، وتعزيز السيادة الغذائية.
ويضم البنك حاليا 80 نوعًا من البذور البلدية، تشمل خضروات مثل البندورة، ومحاصيل حقلية مثل القمح، ونباتات طبية وعطرية مثل الزعتر، و أشجارا مهددة بالانقراض مثل البلوط.
وتتميز هذه البذور بمقاومتها للجفاف والعوامل المناخية والأمراض.
وأشارت حميدات إلى أن البنك يحتفظ بـ16 نوعا نادرا من بذور الأشجار والشجيرات الفلسطينية الأصيلة والمهددة بالانقراض، مثل البلوط الفلسطيني والخروب.
ويعتمد البنك على نظام الزراعة البيئية المستدامة، حيث يتم تجهيز الأرض والتربة للموسمين الشتوي والصيفي، مع اختيار أفضل المواقع لزراعة البذور البلدية لضمان نمو صحي وإنتاجية عالية، مع مراعاة المعايير البيئية والحفاظ على التنوع الزراعي.
تبدأ مرحلة الزراعة للموسم الصيفي من نهاية آذار حتى نهاية نيسان، بينما تبدأ للموسم الشتوي من نهاية أيلول حتى نهاية تشرين الأول، حسب الموقع والمناخ.
أما مرحلة الحصاد فتبدأ للموسم الصيفي عادة في بداية آب، وقد تمتد حتى نهاية أيلول، بينما تبدأ للموسم الشتوي من منتصف شباط حتى منتصف آذار.
بعد الحصاد، توضع البذور لمدة 24 ساعة على الأقل في ظروف معينة داخل البنك، عند درجات حرارة تتراوح بين 15-20 درجة مئوية، تمهيدًا لمرحلة الاستخلاص، ثم الفحص المخبري للتأكد من جودتها وحيويتها.
يتم التخزين في البنك على ثلاث مراحل: قصير الأمد للموسم المقبل عند درجة حرارة الغرفة (15-20 درجة مئوية)، ومتوسط الأمد (3-5 سنوات) عند 10-15 درجة مئوية، وطويل الأمد عند -4 درجات مئوية، حيث تحفظ عينات تحتوي على 500-1000 بذرة لكل صنف.
وفي خطوة ذات أهمية وطنية ودولية، أرسل البنك في أيلول من العام الماضي عينات من 24 صنفًا من البذور البلدية إلى بنك “سفالبارد” العالمي في النرويج، على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من القطب الشمالي، لحفظها على المدى الطويل.
تمثل هذه الخطوة تعزيزا للسيادة الغذائية وحماية التراث الزراعي، وتعكس اعترافا دوليا بأهمية الأصناف المحلية وحق فلسطين في صونها واستدامتها للأجيال القادمة.