أفعى فلسطين: نظرة على واحدة من أخطر ثعابين شرق المتوسط

سوسنة
بمظهرها المميز وسمعتها المخيفة تجسد افعى فلسطين مزيجا استثنائيا من الجمال والخطر في منطقة شرق البحر المتوسط.
ومع حالة الدفء التي تمر بها المنطقة، بدأت الأفاعي بالخروج من سباتها الشتوي، وهو ما يدفع محمود بشارات رب العائلة الذي يعمل في الزراعة الى ممارسة بعض مهامه الصيفية الاضطرارية، وهي ملاحقتها وقتلها في محيط منزله.
يجد بشارات سببا يعتقد انه مقنع لسلوكه تجاه هذه الأفاعي، فهو يقتل بعضها ويوثق العملية وينشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل غيره من الفلسطينيين الذين يتداولون قصصهم مع قتل انواع مختلفة من الافاعي والثعابين، لكن هذا الموقف من الأفاعي لا يرضي المهتمين في المجال البيئي والتنوع الحيوي في الأراضي الفلسطينية.
يقول بشارات الذي غالبا ما يستخدم عصا لقتل الافاعي، انه دوافع ملاحقته لتلك الأفاعي السامة التي يجدها قرب خيامه، هو خوفه على أبنائه وذويه.
يسكن محمود بشارات في خربة حمصة، إحدى الامتدادات الجغرافية لأخفض نقطة في العالم، وهي منطقة تقع عند بداية منطقة الأغوار شرق الضفة الغربية، يستغلها لرعي ماشيته فيها والقيام ببعض الأعمال الزراعية الاخرى.
وكما السنوات الماضية، ففي كل صيف يعيش الشاب صراعا مستمرا في الأيام الدافئة، وهو يواجه أمامه واحدة من أكثر الأفاعي سمية في الضفة الغربية.
في طفولته عاش بشارات قصة مؤلمة مع تواجد الافاعي في محيط منزل عائلته عندما لدغت أفعى منشارية والده (وهي من الأفاعي السامة)، لكنه استطاع الوصول إلى مركز صحي وتلقي المصل المضاد لسمها.
إن التوغل شرقا في الطبيعة تعطي فرصة مبكرة لخروج أفعى فلسطين من جحورها، لأسباب متعلقة بارتفاع درجات الحرارة عن مناطق أخرى وسط الضفة.
وأفعى فلسطين، هي واحدة من بين أربعة أنواع سامة من الأفاعي المنتشرة في الضفة الغربية.
وبشارات الذي يمتهن رعاية الماشية التي ترعى في الجبال المحيطة بخيامه، في واحدة من أكثر الأماكن حرا في فلسطين، يجد كل يوم نوعا واحدا على الأقل من الأفاعي.
“أفعى فلسطين في كل مكان هنا”. يقول بشارات.
يؤكد سائد الشوملي الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لجمعية فلسطين البيئية والتنمية المستدامة الكلام ذاته.
والشوملي الذي ظهر في الفترة الأخيرة قريبا من الطبيعة الفلسطينية، يقول إن هذه الأفعى الفتاكة تتأقلم في كافة المناخات.
تقترب الأفعى من أماكن سكن الناس عادة، وبسبب ذلك، يظل بشارات يقظا تجاه هذا الزاحف الفتاك.
وهذه الميزة جعلت الخارطة الجغرافية لتواجد هذه الأفعى ممتدة في الضفة الغربية.
أدت التجارب الفردية التي مارسها بشارات في اصطياد أفعى فلسطين، إلى امتلاكه خبرة في تحديدها من بين الاصناف الاخرى وصفها بالجيدة.
فالرجل يقول إن لون جلد الأفعى السامة غامق، وهو الشيء الذي تحدث عنه الشوملي، والذي يعتمد عليه المهتمون بتحديد عمر تلك الأفعى.
إن أهم الملامح الظاهرية لأفعى فلسطين، يجعل التعرف عليها أمرا في متناول اليد بالنسبة للكثيرين، لكن البعض يخلط بينها وبين الافعى البقلاوية وهي غير سامة.
يقول الشوملي إن على جلدها تعرجات داكنة اللون، وهي بذلك تختلف عن الأفعى البقلاوية وهي غير سامة، والتي تكون فيها البقع منفصلة.
لا تهاجم الأفعى من البداية، بل تعتمد على إطلاق تحذيرا اولا على شكل زفير قوي قبل أن تباشر بالهجوم القاتل، وفي بعض الحالات تؤدي لدغاتها إلى الموت.
في مادة تعريفية عن أفعى فلسطين، نشرت على الموقع الالكتروني “محميات”، إن طولها يصل عادة على 1.4 م الذيل والجسم، وقد وجد بعضها أطول من ذلك، وهي أفعى شائعة ومتخفية.
يكون موسم تزاوجها في شهري نيسان وأيار، وتضع في الموسم الواحد قرابة 30 بيضة في شهري آب، وتموز، ويحدث التفقيس في شهر أيلول من كل عام.
غالبا ما تلفت افعى فلسطين نظر خبراء رعاية الحيوانات والحياة البرية. لكن هناك قصصا كانت اكثر اثارة من مجرد لفت النظر.
فقبل سنوات قليلة وصلت هذه الافعى بالصدفة الى مملكة بلجيكا عبر شحنة بضائع.
اخبر آمارتين هوبرجس فريق التحرير في “سوسنة” وهو متخصص في الثعابين في مركز مساعدة الحياة البرية ( أودسبيرجين ) وهو ملجأ للحيوانات البرية المريضة والمصابة والمحتاجة منصة سوسنة عن تلك القصة المثيرة للانتباه.
وروى تلك القصة” كانت من نوع الأفعى الفلسطينية (Daboia palaestinae). تم شحنها داخل حاوية مليئة بصناديق صغيرة إلى شركة في “أوفيربيلت”، التي تقع في نفس المقاطعة التي يوجد فيها مركزنا. أثناء تفريغ الحاوية وفك الصناديق، لاحظ العاملون الأفعى متخفية بين الصناديق.”
وأضاف” نظرا لعدم معرفتهم ما يجب فعله، أرسلوا لنا صورة لها، وسرعان ما حددنا أنها من الأنواع السامة ذات الخطورة الطبية، فذهبت أنا وزملائي للإمساك بها بأكبر قدر ممكن من الأمان.لحسن الحظ، كانت الأفعى داخل الحاوية لمدة تقارب 5 أسابيع، مما جعلها منهكة وتعاني من الجفاف.”.
وقال هوبرجس”نظرا لضعفها، كان من السهل الإمساك بها بأمان ووضعها في صندوق نقل مُحكم. بعد ذلك، وضعناها في حاوية دافئة مع بعض الماء لاستعادة قوتها، ثم بدأنا على الفور بالبحث عن مكان مناسب لإعادة توطينها”.
“تمكنا من العثور على مكان مناسب لها في مختبر يُدعى ألفابيوتوكسين، وهو مكان يُعتنى فيه بالحيوانات جيدًا، حيث يتم أخذ كمية صغيرة من السم بشكل غير مؤلم بين الحين والآخر لأبحاث الأدوية المحتملة.
وقال “بعد بضعة أيام فقط في مركزنا، نقلت الأفعى بأمان إلى منزلها الدائم.”
في السنوات الماضية وسعت هذه الافعى من انتشارها خارج مناطق بلاد الشام، فعلى بعد 100 كيلو متر عن النطاق المعروف لتواجد افعى فلسطين، وتحديدا جنوب شرق تركيا في قرية الاهان في ولاية هاتاي سجل وجود افعى فلسطين هناك.
واشار بحث علمي تشر في جامعة كاريوفا -رومانيا عام 2018 قام به مجموعة من الباحثين الاتراك لبحث فيه ثلاثة من جامعة ايجه في ازمير اضافة الى طبيب بيطري تشريح من جامعة مصطفى كمال في هاتاي لم يُسجل وجود هذه الأفعى في تركيا سابقًا، حيث كان أقصى حدود معروفة لتوزيعها الشمالي هو منطقة اللاذقية الجنوبية في سوريا (خاصةً منطقة جبلة)
قال الباحثون في ورقتهم البحثية أنه أثناء عملهم الميداني في محافظة هاتاي، عثروا على ذكر من الأفعى في مجرى مائي في تلك القرية التي تقع على ارتفاع 155 متر فوق مستوى سطح البحر) ضمن منطقة غابة مفتوحة على المنحدر الشرقي لجبال أمانوس.
ويمثل هذا الاكتشاف أول تسجيل لافعى فلسطين في تركيا.
وقال الباحثون”كانت الظروف الجوية دافئة (26° مئوية) وتم العثور على الأفعى حوالي الساعة 17:00 مساءً”.