
خاص “سوسنة”
على سفوح سلسلة الجبال الممتدة في الأغوار الشمالية شرق الضفة الغربية، تظهر شجيرات “الرتم” بأزهارها البيضاء، كمشهد خلاب وآسر.
في شهري شباط وآذار ينعكس لون الزهور الأبيض والرائحة الفواحة على جبال فلسطين الشرقية، وهي الفترة التي تزدهر فيها الشجيرة بأزهارها الجميلة.
في تعارض مع المنطق المعروف في دورة حياة الأشجار، تنمو شجيرة “الرتم”، دون أوراق لها.
لكن السؤال المطروح، هل هذا أمر طبيعي؟
يقول د. بنان الشيخ، أحد المهتمين بالتنوع البيئي في فلسطين، إن الأمر طبيعي.”هذه تركيبتها الطبيعية”. وصف ذلك.
تأخذ هذه الشجيرة مكانة كبيرة في حياة الفلسطينيين، وتنمو بشكل واضح في واحدة من أخفض بقاع العالم، إذ أنها طعام مجاني لمواشيهم، عدا عن استخدامهم لها في التاريخ القريب في إشعال النار للتدفئة وطهي الطعام.
والرتم، شجيرة تنتمي للعائلة القرنية، لا يتراوح ارتفاعها المترين، والمعمر منها يمكن أن يصل عمره إلى عشرات السنين، تمتلك جذورا رئيسية تغور في الأرض بطول يتراوح 3-6 أمتار، وأخرى فرعية من القاعدة.
يبقى النبات دون أوراق كثيفة طيلة أيام السنة، وهذه إحدى المزايا التي تتمتع بها الشجيرة، فيما يتراوح طول الأزهار بين 8-10 ملم، وتكون الزهرة بيضاء تشبه زهرة البازيلاء وتنمو قرب الساق في عناقيد، وهي ذات رائحة عطرية طيبة.
في شهري فبراير/ شباط، ومارس/آذار من كل عام، تظهر الشجيرة بمنظر خلاب بسبب إزهارها في هذه المدة من كل عام.
أما الثمرة فهي عبارة عن جراب وحيدة البذور أسود اللون يترواح طوله من 12-15 ملم، وعرضها 7-10 ملم.
وبالرغم من انتشارها بشكل ملحوظ في جبال الأغوار الشمالية، إلا أن هذا ليس موطنها الأصلي.
وتمتد الخارطة الجغرافية لهذه الشجيرة في مناطق الطقس الجاف في فلسطين.
يقول الشيخ لـ”سوسنة”، إن المناخ المناسب لها هو الصحراوي، وفي الكثبان الرملية، وفي المناطق الجافة التي يصل معدل الأمطار فيها إلى 100 ملم سنويا.
تظهر الشجيرة الواحدة كتجمع للأغصان وهو يشق طريقه من أسفلها إلى الأعلى، ولا تمتاز بالأرواق الكثيفة، لكن المواشي تستهدف أغصانها الطرية.
ويظل مشهد تجمع عدد من الماشية حول تلك الشجيرات أحد المظاهر التي ترافق من يستطيع الوصول إلى الأماكن التي تنبت فيها هذه الشجيرة.
ورغم ذلك قال الشيخ، لم تدخل الشجيرة طور الانقراض.
وهذه الشجيرة دائمة الخضرة، تأتي كواحدة من مكونات التنوع النباتي في الشريط الشرقي للضفة الغربية. ورغم ارتفاع درجات الحرارة صيفا في منطقة تأتي ضمن حفرة الانهدام، تظل الرتم مكسوة باللون الأخضر طيلة أشهر السنة.
وعلى سفوح الجبال الشرقية تظهر أجيال متفاوتة لواحدة من أشهر أصناف الشجيرات المنتشرة في الأغوار الشمالية.
وبينما يختفي معظم أنواع الغطاء النباتي في أشهر الصيف في الأغوار الشمالية مع تعمق الصيف الحار تظهر شجيرة الرتم كواحدة من الأصناف التي تحافظ على ديمومة اللون الأخضر لها على مدار العام.
ويحظى المواطنون القريبون من نمو تلك الشجيرات على فرصة كبيرة للحصول على أغصانها لتجفيفها واستخدامها بإشعال النيران.
مع تعمق أربعينية الشتاء، التي تبدأ في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول، إلى نهاية شهر يناير/ كانون الثاني من كل عام، تزداد الأجواء برودة خاصة في الليل الطويل في الأغوار الشمالية.
وجزء كبير من الحل لدى بعض التجمعات موجود في شجرة “الرتم”، إحدى الأشجار التي تنمو بكثرة في سفوح وقمم الجبال في الأغوار الشمالية.
وفي مناطق كثيرة من هذه البقعة الجغرافية، لا كهرباء يمكن الاعتماد عليها في تشغيل المدافئ الكهربائية في الخيام المتناثرة في تجمعات جغرافية صغيرة في عند سفوح الجبال.
إلا أن الحل لدى المواطنين كامن بالدرجة الأولى في أغصان الأشجار المتنوعة الجافة في سلسلة الجبال الشرقية للضفة الغربية، كمصدر للطاقة المجانية لهم.
قال سعيد محمد أحد سكان الفارسية بالأغوار الشمالية: “إنها سريعة الاشتعال(..)، نستخدمها في إشعال النار للتدفئة وإعداد الطعام”.
ومثل محمد عشرات العائلات التي تسعى بكل طاقة للحصول على الحطب لتعويض النقص في مصادر الطاقة.
وهذه الشجيرة أصبحت مع توالي السنوات إرثا ضمن الحكايات الشعبية لدى مئات المواطنين في مناطق نموها.
كانت إحدى النساء من سكان الأغوار، تضع رزمة من الحطب المتنوع فوق رأسها، قاصدة منزل ذويها. تقول وقد فضلت عدم الإفصاح عن اسمها: “جلبت حطب الرتم ضمن الأحطاب التي جلبتها”.
والنساء في واحدة من المناطق التي تفتقد لكل مقومات الحياة، أفضل من يتحدثن عن مميزات الرتم، في جوانب كثيرة من الحياة اليومية.
وتتخطى استفادة المواطنين من أغصان الرتم في إشعال النار، إلى أمور أخرى في الحياة اليومية، فهو علاوة على كونه مطهرا ومهدئا، فإنه مضاد للديدان خاصة عند الماشية.
وأزهار الرتم الكثيفة علفا للماشية، لكن تناولها بكثرة يمكن أن يسبب مشاكل في الجهاز البولي عند الماشية.
والأمر يأخذ بعدا آخر، ففي مواسم السياحة البيئية التي تنشط في أشهر إزهار هذه الشجيرة، أو في فصل الربيع الجاذب للمهتمين بالتنوع البيئي، أو هواة التصوير.
وعلى الرغم من تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، وفصل المحافظات الفلسطينية من خلال الحواجز، لكن تبقى شريحة من مواطني المناطق القريبة من نمو هذه الشجيرة يتغنون بجمالها، ويلتقطون لها الصور الجميلة.