
خاص”سوسنة”
حتى مساء الأربعاء الماضي، الثالث والعشرين من نيسان 2025، كان هناك احتمالا كبيرا أن تفقد الطبيعة الفلسطينية ضبعا هنديا مخططا آخرا ، بعد سرقته من قبل مجهولين من مركز إيواء للحيوانات في جنوب الضفة الغربية.
هذا الاحتمال يعزز الاتجاهات العالمية التي تشير الى تناقص هذا النوع من الحيوانات التي تعيش في الموائل القاحلة وشبه القاحلة في دول المنطقة.
وبعد جهود حثيثة توصلت الشرطة الفلسطينية إلى مكان الضبع، وإعادته مرة أخرى إلى جمعية الحياة البرية حيث كان يخضع للعلاج والتاهيل بسبب تعرضه الى اعتداء من مواطنين.
لقد مر هذا الحيوان خلال أيام قليلة في مراحل “حياة دراماتيكية” بدأت بالضرب والإيذاء واستقرت قليلا بالإيواء والسرقة ومن ثم إعادته بجهود شرطية مرة أخرى إلى مركز الإيواء والعلاج.
بدأت قصة هذا الضبع عندما قام أحد المواطنين بتسليمه إلى سلطة البيئة في بيت لحم، التي بدورها سلمته لجمعية الحياة البرية ليخضع لأيام قليلة للعلاج من آثار الضرب، ثم قيام مجهولين بسرقته، قبل أن تعثر عليه الشرطة وتعيده مرة أخرى إلى الجمعية.
كان الضبع الذي وصل الجمعية، الإثنين الماضي، في وضع صحي وصفه القائمون على مركز الايواء بـ” المقبول”، ثم أصبح بعدها بيومين قادراً على الوقوف بشكل طبيعي.
يقول عماد الأطرش، المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين “تسلما الضبع الجريح يوم الإثنين الماضي، سلمه أحد المواطنين من بيت جالا الى الجهات الحكومية التي نقلته لنا”.
وصف الضبع من قبل القائمين على علاجه بأنه “هادئا بشكل ملفت، وهذا مناقض لطبيعته التي تظهره على أنه كثير الحركة، لكن بعد يومين من المتابعة الصحية أصبح الضبع قادراً على الوقوف بشكل طبيعي”.
كان من المقرر المضي بالخطوات الفعلية في إتمام رحلة العلاج لهذا الضبع، لكن أيد مجهولة حالت دون ذلك.
فعندما عاد الأطرش للاطمئنان على الضبع، لم يجده.
“لقد سُرق الضبع دون ضجيج”، قال الاطرش.

بيان الشرطة الفلسطينية تحدث أنه بعد جهود التحري، وجد الضبع في منطقة زراعية في محافظة بيت لحم.
“عاد مرة أخرى إلى الجمعية تبين أن الضبع كان جائعاً.وضعت له الطعام في مكان بعيد عنه، فاقترب وبدأ بالأكل(..)، كان جائعا… غدا سأعود وأطعمه مرة أخرى”. قال الأطرش.
والسؤال الذي لا يمكن التغافل عنه، هل سيطلق إلى الطبيعة مرة أخرى؟!.
الإجابة، لا. قال الأطرش: “إنه أعور العين، سيتم وضعه في حديقة الحيوانات في قلقيلية.
ليست هذه القصة الحزينة الوحيدة لكل الضباع المخططة في الضفة الغربية، إنها واحدة من الحالات التي حاولت فيها أيدي السارقين، الحيلولة دون مقدرة الجهات المختصة في إعادة إطلاق حيوان جديد إلى مكان مناسب له.
هناك عدم يقين بشكل عام في الحصول على أعداد تقريبية لهذا الحيوان، وهو الان من اكبر الحيوانات اكلة اللحوم في الطبيعة الفلسطينية.
تقول الإحصاءات التي أدلى لها الأطرش لـ”سوسنة”، أنه في الضفة الغربية ما بين ٢٥٠ـ٣٠٠ ضبعا هنديا مخططا.
ويتركز نشاط وتكاثر هذه الضباع في برية القدس، وجبال القدس، وأمكن عبر السنوات الماضية من توثيقه حتى في الأغوار وفي بعض الأحيان اقترب من القرى في محيط المدن.
وهذا الحيوان أخذ اسمه من موطنه الأصلي، فليس عبثا ورود كلمة “هندي” في اسمه المركب من ثلاث كلمات. فالموطن الأصلي لهذا الحيوان هو الهند.
الضبع المخطط حيون غامض على الصعيد الوطني الفلسطيني. يوجد بشكل رئيسي في المناطق القاحلة، التي غالبا ما تكون في المناطق الشرقية للضفة الغربية وايضا في المناطق الجافة شرق مدينة القدس. يمكن وصفه بانه حيوان منعزل عن المجتمعات البشرية وتحيط به الاساطير غير المبنية على اسس علميه والتي كانت سببا في قتله من قبل البشر.
وتقول السرديات التاريخية أنه وصل فلسطين قبل حوالي ألفي عام من اليوم.
لكن اصبح يعرف بـ الضبع الهندي المخطط، حوالي العام ١٧٥٠.
يقتل الناس أحيانا هذا الحيوان لمعتقدات خرافية شائعة ما زالت تسري بقوة في أوساط المجتمع.بعض الناس يعتقدون انه مهاجم شرس، لكنه في واقع الحال يعتمد في نظامه الغذائي على الجيف.
لذلك، فإن الضبع ليس حيوانا مفترسا أو صائدا.
يتوارى الضبع نهاراً عن الأنظار، وتخمد حركته حتى تكاد تتوقف، لكنه ينشط ليلا بشكل فردي بحثا عن الجيف المترامية.
وهذا ما يجعله يتنافى بشكل كامل بين المحكيات الشعبية المنتشرة بين الناس، التي تقول أنه حيوان مفترس.
في أوقات غير منتظمة يبلغ افرادا من سكان الضفة الغربية عن رؤيتهم للضباع، بعضها فعلا يتعرض للضرب والدهس أثناء عبوره الطرق، لكن الحياة الغامضة لهذا الحيوان، تنعكس في الأحاديث اساطير وقصص شعبية خاطئة.
والتشبيه الأكثر واقعية الذي أطلقه الأطرش على علاقة الضبع بالإنسان أنه “حيوان جبان”.
قبل سنوات استطاع الأطرش وضع يده في فم الضبع دون أن يتسبب له بأذى. كانت هذه حركة تفند كل الموروث الشعبي بخصوص هذا الحيوان الأليف تجاه الإنسان.

يعتبر هذا الحيوان من المعمرات في فلسطين، إذ يصل عمره ل25 عاما، يتكاثر بالولادة، ويمكن أن تضع الأنثى خمسة جراء مرة واحدة.
كل هذه الخصائص التي يحملها الضبع الهندي المخطط الذي كان بحوزة جمعية الحياة البرية، كان بالإمكان أن يبنى عليها مستقبلا في الدراسات العلمية، لكن الحيوان كان قاب قوسين أو أدنى، أن يكون يوما حكاية للذكرى.