خاص “سوسنة”
يظهر الفضاء المفتوح في الجبال الشرقية لبيت لحم، إحدى مدن الضفة الغربية ذات الأهمية التاريخية والدينية، مراحا رحبا ومفتوحا لقطعان الماشية أثناء رعيها دون ضوابط، وهو واقع مشابه لكثير من مناطق على امتداد سلسلة الهضاب والجبال الشرقية.
وكنتيجة طبيعية للرعي الجائر في كثير من المناطق التي تعيش الى جانبها قطعان مواشي، تقترب بعض النباتات والأعشاب من خطر يهدد وجودها.
و”هنا تكمن مشكلة حقيقية، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه”، كما قال المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين، عماد الأطرش.
وعلى سبيل المثال، فإن الشيح صنف من النباتات التي مازالت تستخدم في الطب الشعبي تقف على خطوة واحدة من دخول نفق الانقراض، إذا لم تعالج مشكلة الرعي الجائر في كثير من مناطق الضفة الغربية.
لكن من وجهة نظر حسن شعلان (٥١ عاماً)، فإن التغلب على هذه المشكلة، يكون بحماية الأراضي من تلك المواشي.
يكرر الأطرش الكلام ذاته.
في قرية كيسان، 13كيلومتر شرق بيت لحم وهي منطقة تطل على البحر الميت، تظهر محمية “أم شُعبين” بصورة تنبض بالحياة بعد اتخاذ اجراءات منذ سنوات لخلق توازن بين الرعي ونمو النباتات البرية.
يقول شعلان، في عام 2018، أن وزارة الزراعة قدمت له دعما ماديا بتمويل من الجهات المانحة، لتسييج المنطقة وزراعتها.
وقال الرجل: “هذه أول محمية رعوية في فلسطين، سجلت في وزارة الزراعة بأوراق ثبوتية”.
وتقع المحمية في مناطق مصنفة حسب اتفاق أوسلو “ب”.
وتظهر المحميات الطبيعية من وجهة نظر مهتمين في البيئة، كمنقذ فعلي للحفاظ على التنوع البيئي في المناطق المقامة عليها.
يقول مدير دائرة التنوع البيئي في سلطة جودة البيئة عماد البابا، في الضفة الغربية وقطاع غزة 28 محمية طبيعية على مساحة تقدر بــ 615 كيلو متر مربع، أغلبها في مناطق “ج” حسب اتفاق أوسلو.
ويقول حسن شعلان، مسير المحمية: “أنت تمنع كل شيء مضر من الوصول إلى المحمية(..)، إنك تعطي فرصة كبيرة لكل الأصناف للتكاثر”.
ويقول الاطرش، يمكن تنظيم الرعي داخل هذه المحمية، بحيث السماح لعدد محدود من الماشية من الرعي في مناطق مختلفة كل عام.
يضيف الاطرش، “هناك أنواع محددة من النباتات للرعي، مثل القطف”.وبهذه الطريقة تأخذ النباتات والأعشاب فرصة للتكاثر في الأعوام التي لا تصلها الماشية.
وعلى امتداد نصف عقد من الزمن، انتقلت المحمية من جبال كانت لا تتصف بسيادة التنوع الحيوي فيها، إلى منطقة أصبح فيها هذا التنوع ظاهرا بشكل واضح.
وعلى مساحة 280 دونما، تنمو نباتات كانت مهددة أن تدخل فعليا طور الانقراض. وبينما الأمر كذلك، قال شعلان: “هناك نباتات وأعشاب لا أعرف اسمها”.
وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل بكل تأكيد على تنوع أصناف النباتات والأعشاب الموجودة فيها.
“زرعت في الدفعة الأولى قبل خمس سنوات قرابة 10 آلاف شجرة لأكثر من صنف”. يقول الشاب.
وأضاف شعلان لـ”سوسنة”: “لا أعرف العدد الحقيقي لأصناف النباتات والأعشاب والطيور فيها”.
وشعلان شاب يهتم بعالم الحيوانات والنباتات، وحسب التوصيف الذي أفاد به شعلان، فإن المحمية التي تميل في فصل الشتاء إلى الخضرة الكاملة، “جنة متكاملة”.
وتأخذ المحمية المعتنى بها جيدا من عائلة شعلان، صورة جميلة ايضا في الصيف.
وبينما تكون قطعان الماشية تجوب الجبال المحيطة بها دون ضابط لها، يمكن لعدد محدود من الماشية أن يرعى في جزء منها.
يقول البابا: “عند إدخال عدد محدد من الماشية للرعي، أنت تبعد النباتات والأعشاب عن خطر الانقراض”.
ومكان مثل المحميات الطبيعية، تجد الطيور المهاجرة والمقيمة على حد سواء، والحيوانات المفترسة، ملجأ مناسبا للاستقرار فيها.
وشعلان الذي يرتاد المحمية بشكل متكرر قال: “هناك أنواع من النباتات لم أزرعها بيدي، لكنها جاءت بطرق أخرى”.
ويمكن أن تكون المحمية مستقبلاً، مكاناً مميزاً للبحوث العلمية، والتوثيق عند المهتمين والهواة على حد سواء.
يعطي توفر المياه دفعة أكثر قوة لديمومة الخضرة في المحمية خاصة فصلي الصيف والخريف.
وفي المنطقة ذات القيم المطرية المتدنية عموما (٥٠-٢٠٠ ملم في الموسم)، والتي تتذبذب فيها مستويات الهطول المطري بين شتاء وآخر، حفر شعلان سبعة آبار لجمع المياه، وزعت داخل حدود المحمية.
وقال، “هناك النباتات الصغيرة، وأشجار كبيرة ما تزال تروى”.
لكن، يمكن لعجلة الحياة الطبيعية لعدد من أصناف النباتات والأعشاب في المحمية، أن تدور بالاعتماد على مياه الشتاء، وقدرتها على تحمل العطش والجفاف صيفا.
إن توفير الحماية من كل دخيل يمكن أن يسبب الأذى لهذه المناطق، هو سبب أساسي في ترسيخ قواعد التوازن البيئي فيها.
والرعي الجائر، أهم تلك العوامل السلبية. لكن، لا يمكن إهمال مسبب بشري، طفت أفعاله في السنوات الأخيرة على السطح.
ففي ست سنوات ماضية، دمر المستوطنون مقاطع من السياج المحيط بالمحمية، وشبكات المياه أربع مرات.