خاص سوسنة
بقرنين معكوفين قليلا، وطولا يختلف عند الذكر عن الانثى، ينتشر حيوان الوعل على شكل جماعات تصل الواحدة منها إلى أربعين حيوانا عند حواف قاع العالم المطلة على أخفض نقطة على سطح الارض ذات الانحدار الشديد.
وهذا المناخ الصحراوي الجاف، هو البيئة الملائمة لمثل هذا النوع من الثدييات التي تعيش في الانحدارات الصخرية القريبة من البحر الميت.
إن الذكور من الوعل النوبي من أكبر الثدييات في فلسطين، لكن تبدو الإناث أصغر حجما منها.
وفي مناطق تكسوها الأعشاب نادرا، وهي الوجبة المفضلة لفصيلة الوعل، عند المنحدرات الجافة الصعبة شرق برية القدس يعيش الوعل النوبي في نظام المجموعات.
لكن الحيوان الذي يلاحقه مرتادي المنطقة من الضفة الغربية، دخل في السنوات الأخيرة فعلياً دائرة خطر الانقراض.
يعتبر المدير التنفيذي لجمعية فلسطين البيئية والتنمية المستدامة سائد شوملي: “إنه حيوان مهدد بالانقراض محلياً”.
ويعزي الشوملي ذلك إلى الصيد الجائر أولا بحثاً عن لحمه الشهي، والتغير المناخي، وتراجع في مؤشرات سقوط الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة..
وتظل صغار الوعل أكثر عرضة للنفوق بسبب مسببات الانقراض، من تلك البالغة.
شهادات قالها فرحان رشايدة، وهو شخص يرافق المجموعات السياحية خلال التجوال والسياحة في منطقة الرشايدة قرب بيت لحم، تؤكد أن تناقصا واضحا على أعداد الوعل.
قال الشاب بلكنته البدوية المعروفة: “يأتي الصيادون كثيرا لصيد الوعل، لا أعرف المغزى لكنهم يضرون به”.
“قبل ثلاثين عاما كانت الوعول تنتشر في كل المناطق، لكن مع الصيد والتغير المناخي والتمدد العمراني، تناقصت أعدادها، ومن تبقى يظل بعيدا”. أضاف رشايدة.
ولا أرقام محددة عن الحيوان الذي يعيش في جماعات في اماكن تواجده، لكن الشوملي ذاته استطاع قبل ثلاث سنوات من إحصاء حوالي 130 حيوان من الوعل عند المنحدرات الشرقية.
تسير الوعل النوبي في قطعان في المسارب الأكثر خطورة وانحدارا، وتساعدها الحوافر في الثبات في تلك الممرات الصخرية المطلة على البحر الميت.
“يقود ذكر ضخم فرض هيمنته على القطيع”. قال الشوملي.
“تبدو حوافرها مثل المغناطيس(..)، إنها بذلك تحمي نفسها من المفترسات، وتبعد عنها مسببات الانقراض”. أضاف الشوملي.
يكرر الرشايدة كلاما مشابها: “المكان الخطير هو المكان الآمن لها”.
في أحد الأيام، استطاع الشوملي مرة اخرى، وهو دليل سياحي في المنطقة إحصاء 17 وعلا تسير في قطيع واحد، لكن مع دخول موسم التزاوج يتضاعف العدد بشكل واضح.
ويمتلك كل من يزور تلك المناطق فرصة صارت في الفترة الأخيرة نادرة لمشاهدة قطعان الوعل وهي تسير في جماعات منظمة.
لكن يمكن مشاهدة تلك الحيوانات تسير بأعداد قليلة ان منفردة.
وفي السنوات الماضية، شهدت السفوح الشرقية حركة سياحية دؤوبة، ومسارات، وتخييم في المنطقة التي تصبح صيفاً مكاناً جذابا للمهتمين والهواة.
تقول ابتسام سليمان، وهو إحدى النساء الناشطات في مجال السياحة البيئية، إنها وثقت للمرة الأولى الوعل بداية عام 2016، خلال جولة سياحية في عرب الرشايدة.
“كان قطيعا كبيرا(..)، أحصيت 47 وعلا قبل أن تهرب منا وتختفي عن الانظار”.
لكن، في بعض المرات يمكن للإنسان أن يقترب من الوعل حتى مسافة الصفر.
ويبقى الأمر كله مبني على شعور تلك الحيوانات بالأمان.
“إذا شعر بالأمان يمكن أن تطعمه بيدك”. يقول رشايدة.
تؤكد سليمان الأمر ذاته، عندما قالت إنها اقتربت من الوعل حتى أطعمته بيدها.
“عندما ينبت العشب تبدأ الوعل بالمرح والاستمتاع… أنت أمام فرصة جيدة لمشاهدة قطعان الوعل في هذه الفترة”. قال رشايدة.
تضع الإناث مواليدها في فصل الربيع. يقول الشوملي: في هذه الفترة يزداد عدد القطيع مع تواجد الصغار.
لكن يظل خطراً حقيقياً يلاحق تلك القطعان في هذه الفترة خاصة مع وجود صغار الوعل فيها.
“إنها المفترسات كالذئاب التي قال عنها الشوملي إنها تحاصر جماعات الوعل حتى تصطاد الصغار على وجه الخصوص”.
إلا أن رشايدة، يرى أن الوعل تلجأ إلى المنحدرات الصعبة والخطيرة، للحفاظ على حياتها، وحياة صغارها.
يصنف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة الوعل النوبي (Capra nubiana) على أنه معرض للخطر.
يقول الشوملي، إن الوعل النوبي يشبه في صفاته الماعز، فالذكور ضخمة البنية بارتفاع يصل لـ85 سم، ووزن يصل لقرابة 58 كيلوغرام، وذقن هرمية، وذيل قصير لا بتجاوز طوله 10 سنتيمترات، وقرنين طويلين معكوفين فيهما عدد من الحلقات.
وبينما تمتلك الذكور تلك الصفات، تأتي الإناث بشكل مغاير، فهي أقل حجما، بقرنين أقل طولا، وبوزن يصل قرابة 35 كيلوغرام.
يجمع رشايدة وسعد على القول ذاته، وهما من شاهدا الوعل عن قرب.
“تشبه الماعز كثيرا”. قالت سليمان بلهجة استغراب.
عند بداية فصل الشتاء فلكيا، ويبدأ المطر بالهطول، تجتمع مياه الأمطار المنسابة عبر الصخور والمسارب الصخرية حتى تصل إلى حفر متفاوتة الأقطار في تلك الصخور، لتبدأ قطعان الوعل النوبي بالتجمع على تلك الحفر والشرب منها.
قال الشوملي “إنها مياه عذبة(..)، يأتي الوعل لشرب مياه الأمطار الخالية من الشوائب”.
كل من شاهد الوعل قبل عشر سنوات، واليوم، قال إن أعداد الوعل تناقصت، وبدأت تنأى بأنفسها بحثا عن الأمان.