خاص “سوسنة”
كان الآلاف من سكان الضفة الغربية يسعون يوميا للوصول الى الاطراف الشمالية الشرقية للضفة الغربية حيث هناك نبع ماء متدفق على مدار العام، لكن لم تعد عين الساكوت في الأغوار الشمالية اليوم متاحة أكثر من كونها ذكريات للكثيرين.
على مدار السنوات الماضية، كانت عين الماء هذه جزء من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية، حين شكلت زيارتها من قبل أفراد ومجموعات واحدة من أهم قصص الحياة البرية المصورة في الضفة الغربية.
لكن الوقائع الجديدة على الأرض تشير إلى أن الوصول الى المنطقة الواقعة شرق محافظة طوباس لقضاء أوقات في التنزه والاستجمام يظهر اليوم مستوى عال من الخطورة، ويكاد يكون مستحيلا بسبب القيود العسكرية التي يفرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
بحلول شتاء 2024-2025 وهو الفصل المفضل لهواة مراقبة الطيور وغزال الجبل تظهر المنطقة المحيط بالعين خالية تماما من الفلسطينيين. لم يكن الحال في الماضي اسوأ من هذه السنة، فقد ساهمت التغييرات على طول منطقة الأغوار الفلسطينية في الحد من حركة المصورين البيئيين هناك.
وفي سؤال قد يبدو ملحا لمعرفة ماذا جرى في محيط هذه العين! ما سبب كل هذا التغيير في المنطقة؟ والاجابة على هذا السؤال يمكن استكشافها بمجرد محاولة الوصول الى النبع عبر منفذه المعروف.
يقود طريق متداع متفرعا من الشارع المعروف بشارع (90) قاصدي العين باتجاه الشرق، وهناك تلتقي الحدود الاردنية مع الفلسطينية يفصلها نهر الأردن، ومع وجود فرصة كبيرة لمشاهدة قطعان الغزلان في تلك السهول الخضراء ربيعا والجافة صيفا فإن الاستمرار بالاقتراب من نهاية تلك المنطقة العازلة بين نهر الأردن وبين القرى الفلسطينية الغورية ينقلك إلى عالم عين الساكوت الهاديء.
علاوة على ذلك، يمنحك النظر إلى السماء في مواسم الهجرة الموسمية للطيور، مجالا لرؤية أنواع من الطيور المهاجرة والمقيمة في تلك المنطقة.
تتوارى العين خلف الهضاب في المنطقة المنخفضة التي ظهرت فيها قبل عقود نواة الزراعة الفلسطينية الحديثة قبل وقوع احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967.
بالعين المجردة يمكن قياس مساحة قطر المسطح المائي المحيط بالعين بـ 50 مترا اكثر قليلا او اقل قليلا، محاط بسياج نباتي من نبات البوص، و مملوء بالمياه المنسابة إليها من العين المتفجرة على بعد أمتار منها، استغل خلال السنوات الماضية كنقطة للمتنزهين الفلسطينيين بعيدا عن ضجيج المدن.
وتزخر المنطقة المحيطة بالنبع بتنوع حيوي ونباتي مميز جعل عدد من المهتمين في المجال البيئي يقصدون المنطقة للبحث والاستكشاف.
لكن كيف نفصل الأحداث التي وقعت خلال الفترة الماضية وحولت النبع الى مكان مغلق؟
فبعدما كانت هذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق الجاذبة في مواسم السياحة البيئية، أصبحت منذ سنوات قليلة مغلقة إلى حد كبير على نفسها.
وتقدم الاسيجة، والبوابات الحديدية التي وضعها مستوطنون قبل أربع سنوات في محيط العين، صورة قاتمة على ما وصل إليه الحال في هذه المنطقة.
إن الأسيجة والبوابات هي الخطوة الأخيرة لتخرج المنطقة برمتها من الأماكن التي يقصدها المواطنون الفلسطينيون للتنزه والاستكشاف ومراقبة الطيور والحيوانات البرية.
ويرتبط اسم العين بواحدة من أشهر القرى الفلسطينية المشهورة والاقرب الى نهر الاردن. كانت الساكوت قرية ضمن مجموعة قرى فلسطينية ملاصقة للحدود الأردنية الفلسطينية، اشتهرت قبل احتلال إسرائيلي الضفة الغربية، بالزراعة المروية والبعلية، نظرا لتدفق الينابيع وعيون المياه فيها، واراضيها الخصبة.
ظلت تلك القرية قائمة حتى 1967 ، لكنها مسحت عن بكرة أبيها منذ الايام الاولى لاحتلال اسرائيل للضفة الغربية.
في عام 1967، دمرت إسرائيل معالم الحياة الحضارية هنا واستولت على عدة ينابيع مائية، وتفرق المواطنون فيها إلى أكثر من مكان في الضفتين الشرقية والغربية، وأغلقت المنطقة لسنوات طويلة لوجودها في المنطقة الحدودية المحرمة.
لكن مع نهاية تسعينات القرن الماضي بدأ الفلسطينيون يصلون اليها مرة ثانية حتى أصبحت واحدة من المناطق التي يقصدونها للاستجمام والتنزه.
وظلت على هذه الحال حتى قبل أربع سنوات تقريبا، عندما أغلقت المنطقة بشكل شبه كامل أمام السياحة البيئية للمواطنين، إلا في حالات استثنائية تمكن الفلسطينيون من الوصول إليها بحذر وخوف شديدين، ودون المكوث فيها طويلا.
ولان المنطقة اصبحت واحدة من المزارات السياحية حددت من قبل الجوالة كمسار سياحي بيئي طبيعي واصبح المشي إليها ظاهرة تبدأ مع بداية الشتاء وتتسمر بكثافة حتى نهاية فصل الربيع.
وهؤلاء المواطنين المشاركين في المسارات كانوا يظهرون في جماعات متتابعة وهم يقصدون عين الساكوت وقد يرافقهم زوار اجانب للضفة الغربية يبدون اهتمامات سياسية او بيئية غالبا.
وكان التقاط صور لهم أمرا لازما عند كل زيارة .
لكن راهنا، تنتشر الأسيجة وجماعات المستوطنين في المنطقة، والحديث عن المستوطنين أمر يعطي، لمن يتابع الأخبار اليومية عن تلك الجماعات التي تتوسع على طول تلك المنطقة، صورة واضحة عن الوضع القائم في المنطقة.
والأخبار التي تصل من المنطقة التي تعتبر امتدادا جغرافيا لواحدة من أخفض بقاع العالم، تؤكد الحال الذي وصلت إليه.
وبالرجوع في الزمن، يمكن معرفة خارطة الإغلاق التدريجي للمنطقة أمام المواطنين القادمين للاستجمام فيها.
بعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، وطرد المواطنين من المنطقة، أقامت سياجا حولها، ثم زرعت مئات الألغام على مقربة منها، أزالها الاحتلال قبل سنوات.
كان ذلك سببا كبيرا في الحد من حركة الفلسطينيين في المنطقة لسنوات طويلة.
لكن دخول المستوطنين بشكل تدريجي، منذ سنوات أعطى سببا أكثر قسوة في تلاشي السياحة البيئية في المنطقة بعد إغلاقها بالبوابات الحديدية، و تسييج العين، ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها.
تبلغ مساحة أراضي عين الساكوت، التي تمتاز بطبيعتها السهلية وخصوبتها، حوالي 6000 دونم، وتعتبر من أخصب الأراضي الزراعية في الشريط الشرقي للضفة الغربية.