
الباحث : خالــد أبــو علــي
سوسنة، صورة قلمية
بدأت رحلتي الاستكشافية قبل بضع سنوات، لتتبع مسار سوسنة جميلة فاتنة أطلق عليها الفلسطينيون سوسنة فقوعة حيث اعتمدها مجلس الوزراء الفلسطيني في العام 2016 كزهرة وطنية فلسطينية وذلك لندرتها في فلسطين.
تبذل بلدية مرج ابن عامر وبلدة فقوعة وعلى رأسها الصديق بركات العمري جهودا كبيرة بغية العمل على حمايتها من الانقراض، حيث كان ينظم كل عام قبل الحرب مهرجان سوسنة فقوعة السنوي والذي يضم العديد من الفعاليات والأنشطة البيئية، وإطلاق حملة توعية للتعريف بالنبتة ورفع الوعي المجتمعي حول اهميتها، ولتثبيت اسمها وحمايتها من الانقراض والعبث بها، والمحافظة عليها من خلال إنشاء حديقة السوسنة ، ولتسويقها لتكون وسيلة للتشجيع السياحي الداخلية ضمن تسيير المسارات البيئية لتلك البلدة.
سوسنة فقوعة وهي نبتة ساحرة غاية في الجمال متفردة عالمياً تسمى (باللاتينية : Iris Haynei) وهي متوطنة في جبال فقوعة وجلبون ودير غزالة وعربونة غرب مدينة بيسان وشرق سهل مرج ابن عامر.
وفي هذه الرحلات الجميلة التقطت العديد من الصور للطبيعة الخلابة التي تزامنت مع بدء فصل الربيع وهو الإيذان ببدء حياةٍ جديدة، مليئةً بالكثير من الأزهار البرية متعددة الألوان والورود والفراشات.
سوسنة فقوعة وهي أحد أنواع السوسن وتتبع الفصيلة السوسنية، وفي كل عام بعد منتصف اذار، تتفتح بلونها الغامق، المخطط، وبطول يتراوح ما بين 40-60سم.
وتتميز الزهرة بلونها البنفسجي القاتم بالإضافة إلى اللون الأصفر، وكبر حجم البتلات الزهرية.
في الطريق بين فقوعة وجلبون شاهدت النباتات والأزهار البرية ومنها : الذرو، والكتيلة، والسبيلة، والحلبلوب، والكلخ، والشومر، والزعيتمان، وعصا الراعي، و العلندا اضافة الى الصبر الذي تشتهر به بلدة فقوعة.
شاهدت عن كثب كيف تزينت الأرض وارتدت أجمل حلّةٍ لها، فما من منظرٍ أجمل من منظر اللون الأخضر وقد اكتست به الأشجار والأرض، وكأن الأرض عروسٌ تحتفي بليلة عرسها، وما من عطرٍ أروع من عطر ورود الربيع وهي تنثر أريجها في الآفاق ، وتُخرج بتلاتها لتزيّن الطبيعة ، وتُرسل أوراقها لتحطّ عليها الفراشات الزاهية اليانعة، وتغري العصافير كي تُؤدي رقصات الفرح والجمال.
فالربيع ليس مجرد فصلٍ عابر من فصول السنة، بل هو سيد الفصول وأجملها.
عندما شاهدت سوسنة فقوعة بين الصخور الجبلية في جبال فقوعة امتلأت نفسي بالطاقة الإيجابيّة، فرؤية السوسنة والأشجار الخضراء والطيور وقد بدأت تبني أعشاشها، تجعل القلب يرقص من شدة الطرب، خصوصاً أن سماء الربيع زرقاء صافية، وكأنها خلعت عنها ثوبها الرمادي الملبّد بالغيوم، لتكشف لونها الرائع الأخّاذ.
كنا ننتظر الربيع وتفتح السوسنة الجميلة ككل الكائنات التي تنتظر الربيع، وحده الربيع من يمدّ يده للحياة، ويفتح أبواب الجمال لتشرق على الأرض كلها فشكل أزهار السوسنة رغم النار والحصار دليل على رمز الحياة والتجدد، ورمز الخضرة اليانعة.
وهل من اجمل من الرائعة فيروز وهي تغني في مسرحية جبال الصوان :
وطني…. يا جبل الغيم الأزرق
وطني….. يا قمر الندي والزنبق
يا وجوه الـ بيحبّونا….
يا تراب اللي سبقونا…..
يا زغيّر ووسع الدني.. وسع الدني يا وطني
وطني….. يا دهب الزمان الضايع….
وطني….. من برق القصايد طالع…..
أنا على بابك قصيدة…..
كتبتها الريح العنيدة…..
أنا حجرة ….. أنا سوسنة…… أنا سوسنة ….. يا وطني
في فصل الربيع، تعود الطيور المهاجرة إلى أوطانها في هجرة ربيعية سنوية، وتصحو الحيوانات من سباتها، وتنمو البذور الغافية في التربة، وتبيض اصغر الأطيار، وكأنّ الأرض تتباهى بما ارتدته من أثواب الجمال والدلال، فالربيع أمٌ حنون، وينبوع ماءٍ متدفق بكلّ معاني الحياة، وستبقى رحلة السوسنة محفورة في الوجدان والذاكرة.
- خالد أبو علي، هو باحث وناشط بيئي فلسطيني يقيم بين مدينتي رام الله وجنين، ويعتبر أيضا خبيرا في التخطيط الاستراتيجي والطاقة الخضراء وله إسهامات متعددة في تنظيم النشاطات الخضراء.